روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | مع الحسين بن علي.. في كربلاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > مع الحسين بن علي.. في كربلاء


  مع الحسين بن علي.. في كربلاء
     عدد مرات المشاهدة: 4031        عدد مرات الإرسال: 0

مع الحسين بن علي في كربلاء في مطلع كل عام هجري، يتذكر المسلمون أحداثًا جِسامًا؛ على رأسها الهجرة العظيمة التي غيَّرت مجرى التاريخ.

وذكرى انتصار موسى-عليه السلام- على فرعون، فيكون شهر الله المحرم مصدر اعتزاز للمسلمين وفرحة بانتصار الخير على الشر.

ولذلك أُمِر المسلمون بأن يصوموا اليوم العاشر منه؛ شكرًا لله تعالى، ويومًا قبله أو بعده مخالفة لليهود الذين يصومونه وحده.
 
وكان لهذا اليوم قداسة حتى عند المشركين، فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". وفي حديث آخر أنه كان يومًا "تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَة".
 
ولكن محرم وعاشوراء يذكران المسلمين كذلك بحادثة جلل، لا تهون في قلوب المؤمنين، هي حادثة استشهاد الإمام الحسين بن علي-رضي الله عنهما- في كربلاء، ولولا أننا سمعنا أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "كُنَّا نُنْهي أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".

وتعزو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكان مثل الحسين يستحق استمرار الحداد عليه أبد الدهر، بل إنَّ جدّ الحسين أولى منه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
 
إن ذكرى استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- لجديرة بالبسط والتأسي، دون أن نسمح لألسنتنا بالخوض في أقدار الصحابة والتابعين الذين حضروا تلك الفتن العظيمة، وكانت لهم مواقفهم والظروف التي أحاطت بهم، التي لا ندري-معها- لو كنا معهم ماذا كنا سنصنع؟

وإن دماء سلَّم الله أيدينا منها نريد أن تسلم ألسنتنا منها، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134]. ولا أريد بهذه الخطبة إلا ذكر ما تدعو الحاجة لمعرفته من شأن هذا العَلَم الذي لا ينبغي أن يُقابل الغلوّ في حبِّه عند قوم بالجفاء عند آخرين.

حتى بلغ الأمر أن يُهجر اسم الحسين أو يُنسى فضله، وهو مَن هو في القدر والمكانة في نفس رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولو أنه اكتفى بشرف كونه من آل بيت رسول الله الطاهرين، لكفاه شرفًا، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
 
بلى إن حبَّه دِينٌ وعبادة يُرجى بها رضا الله تعالى وثوابه.
 
فمع الحسين بن علي بن أبي أطالب، ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نقضي الدقائق الغوالي من هذا اليوم المبارك..
 
الحسين بن علي.. مولده وحياته:

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته، وشبيهه في الخَلْق من الصدر إلى القدمين، أبوه أمير المؤمنين علي، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عبد الله، ولقبه الشهيد، وهو أحد سيدي شباب أهل الجنة مع أخيه الحسن.
 
ولد في المدينة المنورة في شعبان في السنة الرابعة للهجرة، وعقّ عنه جدُّه رسول الله عليه السلام، كما عقّ عن أخيه الحسن من قبل، وقال فيهما: "هما ريحانتايَ من الدنيا"[1].

وعن جابر أنه قال وقد دخل الحسين المسجد: "من أحب أن ينظر إلى سيِّد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا"، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم[2].
 
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه ويلاعبه ويقول عنه: "حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحبّ حسينًا". وفي رواية: "أحبّ الله من أحبّ حسينًا"[3].
 
عاش الحسين طفولته وصدر شبابه في المدينة المنورة، وتربّى في بيت النبوة ثم في بيت والده، وفي حلقات العلم في المسجد النبوي الشريف على الأخلاق الفاضلة والعادات الحميدة، أُثر عنه أنه حج خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، وشهد سنة 35ه مبايعة والده الإمام علي بالخلافة ثم خروجه معه إلى الكوفة.

وشهد معه موقعة الجمل ثم صفين، ثم قتال الخوارج، وبقي معه حتى استشهاده سنة 40ه، فأقام مع أخيه الحسن في الكوفة إلى أن تنازل الحسن عن الخلافة، وسلم الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان، وهو ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعن أَبي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ عَلَى ظَهْرِهِ وَعَلَى عُنُقِهِ، فَيَرْفَعُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفْعًا رَفِيقًا لِئَلاَّ يُصْرَعَ.

قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ بالْحَسَنِ شَيْئًا مَا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَهُ. قَالَ: "إِنَّهُ رَيْحَانَتِي مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَعَسَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[4].
 
وكان الحسين لا يعجبه ما عمل أخوه، بل كان رأيه القتال؛ لأنه يرى أنه الأحق بالخلافة، ولكنه أطاع أخاه الذي كان يرى-كذلك- أحقّيته بالخلافة، ولكنه آثر حقن دماء المسلمين، وبايع الحسينُ معاوية، ورجع معه إلى المدينة، وأقام معه إلى أن مات معاوية رضي الله عنه سنة60ه.
 
مقتل الحسين رضي الله عنه:

ولما تولى يزيد بن معاوية الخلافة، بعث إلى واليه على المدينة الوليد بن عتبة ليأخذ البيعة من أهلها، فامتنع الحسين عن البيعة، وخرج إلى مكة وأقام فيها، ثم أتته كتب أهل الكوفة في العراق تبايعه على الخلافة وتدعوه إلى الخروج إليهم، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليأخذ بيعتهم، فطالت غيبة مسلم وانقطعت أخباره.

فتجهز الحسين مع جملة من أنصاره للتوجه إلى العراق، ونصحه بعض أقاربه وأصحابه بالبقاء في مكة وعدم الاستجابة لأهل العراق، ومنهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفر، وجابر بن عبد الله.

كما كتبت إليه إحدى النساء وتسمى (عمرة) تقول: حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُقتل الحسين بأرض بابل"[5]. فلما قرأ كتابها قال: "فلا بد إذًا من مصرعي". وخرج بمن معه متوجّهًا إلى العراق، وفي الطريق قريبًا من القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: ارجع؛ فإني لم أدع لك خلفي خيرًا.
 
وأخبره أن عبيد الله بن زياد والي البصرة والكوفة قتل مسلم بن عقيل، فهَمَّ الحسين أن يرجع ومعه إخوة مسلم فقالوا: "والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نُقْتَل". فتابع سيره حتى وصل إلى منطقة الطفّ قرب كربلاء، وكان عدد ما معه من الرجال (45) فارسًا ونحو (100) راجل، إضافة إلى أهل بيته من النساء والأطفال، حيث إن أهل الكوفة خذلوه ولم يوفوا بوعودهم لنصرته.

فالتقى بمن معه بجيش عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان معه أربعة آلاف فارس، وجرت بينهما مفاوضات لم تسفر عن اتفاق، فهاجم جيش ابن زياد الحسين ورجاله، فقاتل الحسين ومن معه قتال الأبطال، واستشهد الحسين ومعظم رجاله، ووُجد في جسده ثلاثة وثلاثون جرحًا، وكان ذلك في يوم عاشوراء من عام (61ه)، رحمه الله ورضي عنه. ورثاه الشعراء على مر القرون، ومن ذلك ما قاله الشاعر عبد الله بن عوف بن الأحمر:
 
صحوت وودعت الصبا والغوانيا *** وقلت لأصحابي: أجيبوا المناديا

وقولـوا له إذ قـام يدعـو إلى *** قبيل الدعا: لبيك لبيك داعيـا

ألا وانع خيـر الناس جَدًّا ووالدا *** حسينًا لأهل الدين إن كنت ناعيا

ليبك حسينًا مرمل ذو خصاصة *** عديم وأيتـام تشكـي المواليـا

فأضحى حسيـن للرمـاح دريئة *** وغودر مسلوبًا لدى الطفّ ثاويا

ليبك حسينًا كلمـا ذرّ شـارق *** وعند غسوق الليل من كان باكيا

لحا الله قومًا أشخصوهم وغرروا *** فلم يـر يوم البأس منهم محاميـا

ولا موفيًا بالعهد إذ حَميَ الوغـى *** ولا زاجرًا عنه المضليـن ناهيـا

فيا ليتني إذ ذاك كنـت شهدتـه *** فضاربت عنه الشانئين الأعاديـا

ودافعت عنه ما استطعـت مجاهدا *** وأعملت سيفي فيهـم وسنانيـا

فيا أمة تاهت وضلت سفاهـة *** أنيبوا فأرضوا الواحـد المتعاليـا
 
ويُروى أن قاتله هو سنان بن أبي سنان النخعي، وأن خولي بن يزيد الأصبحي هو الذي أجهز عليه واجتزّ رأسه. وقُتل مع الحسين سبعة عشر رجلًا من أهل بيته، منهم إخوته الأربعة، رحمهم الله جميعًا.
 
ويروى أنه لما ورد رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية ومعه جماعة من أهل البيت وجُلّهم من النساء، قال يزيد: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين. فقالت سكينة بنت الحسين: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟

قال: يا ابنة أخي، هو والله أشدُّ عليَّ منه عليك. وقال كلامًا يشتم فيه عبيد الله بن زياد, ولعلَّ منه ما رواه يونس بن حبيب أن يزيد كان يقول: "وما عليَّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي، وحكّمته فيما يريد، وإن كان عليَّ في ذلك وهن؛ حفظًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية لحقه، لعن الله ابن مرجانة-يعني عبيد الله- فإنه أحرجه واضطره.

وقد كان سأل أن يخلي سبيله أن يرجع من حيث أقبل، أو يأتيني، فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك عليه وقتله، فأبغضني بقتله المسلمون، وزرع لي في قلوبهم العداوة", ثم قال: رحم الله حسينًا، لَودِدت أن أُتيت به سِلمًا.
 
ثم أمر بالنساء فأدخلن على نسائه، وأمر آل أبي سفيان فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام، ثم أمر بتجهيز نساء آل البيت وإعادتهن إلى المدينة معزّزات.
 
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بأن ابنه وحبيبه سوف يقتل على يد مسلمين، فقد روى أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: "لا تُبَكُّوا هذا" يعني حسينًا، فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: "لا تدعي أحدًا يدخل", فجاء حسين فبكى، فخلته يدخل، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله. قال: "يقتلونه وهم مؤمنون؟" قال: نعم، وأراه تربته[6].
 
وقد بقي هذا اليوم داميًا في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم ينسوه لأهل العراق الذين حضروا مصرع الحسين دون أن يدافعوا عنه؛ ففي البخاري عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لِابْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: انْظُرُوا إلى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا".
 
بين الحسين وعمر بن الخطاب:

وأما عن علاقته بعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ممن يظن بعضهم أنه كان بينهم ما يسوء، فقد روى الإمام الذهبي أخبارًا عديدة أسانيدها صحيحة، تدل على مكانة خاصة للحسين في قلب عمر رضي الله عنه، منها أنه قال له: "أي بُنَيّ، وهل أنبت على رءوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم، ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني!

لو جعلت تأتينا وتغشانا". وكان يفرض له خمسة آلاف مثل أبيهم رضي الله عنه. وحين كسا أبناء الصحابة لم يجد ما يناسب الحسنين، فبعث إلى اليمن فأُتِي بكسوة لهما، فقال: الآن طابت نفسي. وبينما عمرو بن العاص-رضي الله عنه- في ظل الكعبة إذ رأى الحسين، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.
 
اللهم إنا أحببنا الحسن والحسين وأمّهما وأباهما وعِترتهما الصالحة؛ لحبِّنا لنبيك صلى الله عليه وسلم، فاجعلنا يوم القيامة مع من أحببْنا.
 
اللهم صلِّ وسلم عليهم جميعًا، وصلِّ وسلّم على نبيك محمد خاصة، وعلى آله أجمعين وصحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
[1] رواه البخاري.
[2] ذكره الهيثمي في المجمع 9/187 ونسبه إلى أبي يعلى وليس لأحمد، وقال: رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعد وهو ثقة.
[3] أخرجه ابن ماجه وأحمد والترمذي وحسّنه، وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي.
[4] رواه أحمد.
[5] البداية والنهاية 8/177.
[6] إسناده حسن كما قال الإمام الذهبي.

الكاتب: د. خالد بن سعود الحليبي

المصدر: موقع الإسلام اليوم